
كتبت / رنيم علاء نور الدين
في صباح ربيعي دافئ من أيام شهر مايو، تحديدًا يوم الجمعة، جلس الحاج مصطفى على شرفة شقته بالدور الثالث في إحدى عمارات منطقة إمبابة. كان الوقت حوالي التاسعة صباحًا، والجو مشمس، والحي لا يزال يغرق في هدوء ما قبل الزحمة.
أمامه كوب قهوة سخن، ومذياع صغير يبث تلاوة هادئة للشيخ عبد الباسط، بينما تجلس بجانبه زوجته أم رضا، تمسح يدها في طرف المريلة وتقول له بابتسامة باهتة:
– “الواد رضا شكله مش طبيعي بقاله كام يوم، كل يوم خارج داخل ومش بيكلم حد.”
هزّ مصطفى رأسه ببطء وقال:
– “كبر، وكل حاجة جواه، بس هيعدي.”
لكن ماعداش.
عند الساعة الثانية ظهرًا، تلقى قسم شرطة إمبابة بلاغًا من سكان العقار عن رائحة غريبة طالعة من شقة في الطابق الأرضي. لما وصلت الشرطة، وجدوا الباب مغلق بإحكام، وداخله كانت الرائحة لا تُطاق.
كسروا الباب. وكان المشهد أسوأ من كل التوقعات.
في منتصف غرفة النوم، وُجدت جثة سيدة في أواخر الأربعينات، ممددة على الأرض، مغطاة ببطانية، والدماء تغطي ملابسها بالكامل.
كانت أم رضا.
وإلى جانبها، جلس رضا، ابنها الوحيد، واضعًا يديه على رأسه، وجسده يتحرك ببطء كمن يصارع شيئًا داخله. لم يقاوم. لم يتكلم. فقط نظر في عيون الضابط وقال:
– “أنا ماكنتش عاوز… بس هي ماخلتليش حل.”
بدأت التحقيقات، وتكشفت الخيوط واحدة تلو الأخرى.
رضا كان في حالة اكتئاب حادة منذ سنة تقريبًا. ترك الجامعة، وبدأ ينعزل عن كل الناس، بما فيهم والديه. لكن والدته، أم رضا، كانت أكثر من مجرد أم.
كانت تلاحقه، تراقب هاتفه، تفتش غرفته، تفتعل الشجار لأصغر الأسباب، وأحيانًا كانت تضربه.
في أحد الأيام، وبعد مشادة استمرت لساعات، دخل رضا المطبخ. أخذ سكينًا صغيرة، ثم عاد إلى الغرفة التي جلست فيها أمه تشاهده بصمت. اقترب منها ببطء.
صرخت. حاولت الهرب.
لكن الطعنة الأولى جاءت سريعة، مفاجئة، مزقت صدرها. ثم تلتها طعنات أخرى، متتابعة، صاخبة، كما لو كان يفرغ كل سنواته المكبوتة في جسدها.
جلس بجوارها بعدها بساعات، لا يتحرك، لا يأكل، لا يشرب، فقط ينتظر أحدًا يفتح الباب.
التقارير أكدت وجود تاريخ من العنف الأسري بين الأم وابنها، والطب النفسي أشار لاحقًا إلى اضطراب حاد في شخصية رضا لم يُعالَج.
النيابة قررت حبسه بتهمة القتل العمد، ولا يزال التحقيق جاريًا.
لكن في الحقيقة، الجريمة بدأت من زمان جدًا…
ربما من أول ما اتحول البيت لساحة حرب يومية، أو من أول مرة سمع فيها رضا جملة:
– “أنت مش راجل!”
Author Profile

-
إشعار خبر: منصة إخبارية سريعة تقدم أحدث الأخبار المحلية والعالمية، مع تغطية شاملة في مجالات الرياضة، الاقتصاد، الفن، والصحة، لتبقيك دائماً على اطلاع.
Latest entries
أخبار مصر4 يوليو، 2025سقوط غامض لشاب سويدي من الطابق الرابع يثير الذعر في مدينة نصر
أخبار مصر4 يوليو، 2025“الليلة اللي انطفى فيها النور”
أخبار مصر4 يوليو، 2025السر اللي تحت البلاط
أخبار مصر4 يوليو، 2025“ساعة القهوة الأخيرة”
إشعار خبر: منصة إخبارية سريعة تقدم أحدث الأخبار المحلية والعالمية، مع تغطية شاملة في مجالات الرياضة، الاقتصاد، الفن، والصحة، لتبقيك دائماً على اطلاع.