
كتبت / رنيم علاء نور الدين
في مساء خريفي بارد من فبراير، وبالتحديد يوم الثلاثاء 14 فبراير 2023، كانت العمارة رقم 17 في شارع 9 بحي المعادي تغط في هدوء لا يشبه ما كان يدور خلف أحد أبوابها المغلقة. داخل الشقة بالطابق الثالث، جلست نجلاء، الأم الخمسينية، على الأريكة، تتصفح هاتفها المحمول، بينما ابنها زياد، الطالب الجامعي، يدور حولها كقنبلة موقوتة.
كان يريد الخروج، مثل أي شاب في عمره. كانت تقول له “الساعة عدت 9، ودي مش خروجة محترمة”. لكن هذه الليلة، لم تكن عادية. ولم يكن زياد معتادًا على الرفض، لا من أصدقائه، ولا من أمه.
عند الساعة 9:43 مساءً، تلقّى قسم شرطة المعادي بلاغًا من الأهالي عن أصوات صراخ واستغاثة قادمة من إحدى الشقق، أعقبها صوت زجاج يُكسر وضجيج لم يُسمع من قبل.
وصلت قوة أمنية، فوجدت الباب مفتوحًا، والدماء تملأ صالة الشقة. الأم، نجلاء، كانت ممددة على الأرض، غارقة في دمائها، وبجانبها سكين مطبخ بطول 25 سم. عيناها جاحظتان، وشعرها مبلل بالدم. أحد الجيران كان قد أمسك باب الشقة من الخارج، حابسًا زياد بالداخل لحين وصول الشرطة.
تم ضبط زياد فورًا، ولم يحاول المقاومة، بل جلس في ركن من أركان الشقة، يبكي بصمت، ويداه ملطختان بدم أمه.
في التحقيقات، قال:
– “كنت عايز أخرج… كنت زهقان، ومخنوق، وكل مرة تقفل في وشي وتقول لا… أنا ماكنتش ناوي أقتلها، أنا بس كنت عايز أزعق، أخوفها، بس… السكينة كانت قريبة.”
وتبين من تحريات المباحث أن المتهم يعاني من اضطرابات نفسية، وكان يتلقى علاجًا لفترة، لكنه توقف عن الدواء منذ عدة أشهر. أصدقاء زياد أخبروا رجال المباحث أن سلوكه تغيّر منذ عام تقريبًا، وبدأ يميل للعزلة والانفعال العنيف، خاصة مع والدته.
الأم كانت موظفة هادئة السمعة، تعيش مع ابنها الوحيد بعد وفاة والده، وكانت تُعرف بين الجيران بطيبتها وشدّتها أحيانًا مع ابنها.
أحد الجيران قال:
– “كانت بتحبه أوي، وكل ما نشوفه بيزعق كانت ترد تقول: أصله تعبان نفسيًا، ومش عايزة أضغط عليه.”
لكن الضغط انفجر، وفي ليلة عادية من ليالي فبراير، تحولت “الأم الحنونة” إلى “ضحية الابن الوحيد”.
كاميرات المراقبة في العقار رصدت دخول زياد من باب العمارة الساعة 8:57 مساءً، ثم خروج الإسعاف بعدها بساعة، حاملة جسد نجلاء في كيس أسود.
هل كان زياد مجرمًا أم ضحية مرض لم يُعالج؟
هل كان من الممكن إنقاذ نجلاء لو أنها أخذت تهديداته بجدية أكبر؟
وهل قسوة المجتمع على من يعاني نفسيًا، تخلق مجرمًا في صمت؟
زياد الآن محبوس على ذمة التحقيق، والقضية قيد انتظار تقرير الطب النفسي.
Author Profile

-
إشعار خبر: منصة إخبارية سريعة تقدم أحدث الأخبار المحلية والعالمية، مع تغطية شاملة في مجالات الرياضة، الاقتصاد، الفن، والصحة، لتبقيك دائماً على اطلاع.
Latest entries
إشعار خبر: منصة إخبارية سريعة تقدم أحدث الأخبار المحلية والعالمية، مع تغطية شاملة في مجالات الرياضة، الاقتصاد، الفن، والصحة، لتبقيك دائماً على اطلاع.