
كتب: حسن أيمن
مقدمة
في الوقت الذي يُفترض فيه أن تكون المدرسة بيتًا ثانيًا للأطفال، ومنارة للتربية قبل التعليم، تخرج بين الحين والآخر قصص صادمة عن تحرش جنسي داخل الفصول، في الممرات، أو حتى في غرف مغلقة على يد عامل أو معلم أو مسؤول. المشكلة لا تكمن فقط في الجريمة ذاتها، بل في أنها تحدث في بيئة من المفترض أنها محصنة، وتُقابل أحيانًا بالصمت، والإنكار، أو حتى التبرير.
1. ما هو التحرش الجنسي بالأطفال؟
هو أي سلوك أو تصرف يحمل دلالة جنسية، يصدر من شخص بالغ أو أكبر سنًا تجاه طفل، سواء كان ذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
يتضمن ذلك:
اللمس غير المناسب أو الإيحاءات الجنسية.
التحدث مع الطفل عن أمور جنسية بطريقة غير لائقة.
عرض مواد غير مناسبة.
طلب أفعال جنسية أو تهديد الطفل بها.
وحتى التلصص أو التحرش البصري بالطفل.
هذا النوع من الأذى لا يُترك على الجسد فقط، بل يُحدث تشققات طويلة الأمد في النفس والعقل.
2. لماذا تحدث هذه الجرائم داخل المؤسسات التربوية؟
السلطة والثقة العمياء: الطفل يرى المعلم أو المسؤول كقدوة وصاحب سلطة مطلقة، ما يُصعب عليه التمييز بين السلوك التربوي والانتهاك.
غياب الرقابة المؤسسية: في كثير من المؤسسات، لا يوجد إشراف فعلي على ما يدور خلف الأبواب، ولا توجد منظومة تواصل آمنة بين الطفل والإدارة.
التكتم المجتمعي: ما زال البعض يعتقد أن فضح هذه الحوادث “فضيحة”، مما يؤدي إلى التستر بدل المواجهة.
انعدام المساءلة: كثير من المؤسسات تخشى على سمعتها فتُهمل التحقيق أو تحاول “اللفلفة” بدلاً من اتخاذ موقف قانوني حازم.
ضعف التوعية: لا المدرسة تُعلّم الطفل حقوقه، ولا الأسرة تعرّفه بجسده وحدوده، فينشأ دون درعٍ ضد الخطر.
3. ما الذي يعانيه الطفل بعد التحرش؟
نفسياً: يشعر بالخزي والذنب، رغم أنه الضحية.
سلوكيًا: يُصبح منطويًا، قلقًا، أو عدوانيًا بشكل مفاجئ.
اجتماعيًا: يفقد ثقته في الكبار، ويُصاب برهاب من الأماكن التي جُرح فيها.
دراسيًا: تتراجع مستواه وقدرته على التركيز.
مستقبليًا: يعاني من اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب أو اضطراب ما بعد الصدمة.
4. كيف نرصد المؤشرات؟
غالبًا لا يتحدث الطفل صراحة. لكنه يُرسل إشارات، منها:
تجنّب شخص معين دون سبب.
الخوف من الذهاب للمدرسة فجأة.
الحديث عن أمور جنسية لم يتعرض لها من قبل.
النوم المتقطع أو الكوابيس.
تغير في سلوك الطفل: العدوانية، الانطواء، أو حتى البكاء المستمر.
5. كيف نحمي الطفل؟
داخل المدرسة:
إنشاء وحدة لحماية الطفل في كل مؤسسة تعليمية.
وجود مرشد نفسي مدرّب يتحدث مع الطلاب بشكل منتظم.
تركيب كاميرات في الأماكن العامة (مع احترام الخصوصية).
إجراء فحص نفسي دوري للمعلمين والعاملين.
داخل الأسرة:
بناء ثقة متينة بين الطفل ووالديه.
تعليم الطفل حدود جسده بلغة مبسطة.
تشجيعه على الحكي دون خوف.
التصرف بسرعة وحسم عند الاشتباه، دون تسويف.
على مستوى الدولة:
تعديل القوانين لتُجرّم كافة أنواع التحرش بشكل صريح في البيئة التعليمية.
تشديد الرقابة على المدارس، خاصة الخاصة والدولية.
إعداد حملات توعية دورية عبر الإعلام والمدارس والجامعات.
6. لا تُحمّل الطفل عبء الجريمة
أكبر خطأ يرتكبه البعض هو لوم الطفل أو مطالبته بالصمت. الضحية لا يجب أن تخجل، بل يجب أن تُحمى، ويجب أن يعرف الجميع أن الخطأ خطأ الجاني وحده، لا من صرخ ولا من أفصح. الطفل لا يعرف كيف يتعامل مع الصدمة، ومهمتنا ليست محاسبته، بل احتضانه ورفع صوته.
7. ما بعد الحادثة: كيف نُعالج لا نُعاقب؟
الاحتواء أولًا: دعم نفسي مكثّف ومهني للطفل.
الإجراء القانوني ثانيًا: عدم الاكتفاء بالطرد الإداري أو الفصل، بل البلاغ الرسمي ومتابعة القضية.
الملاحقة المستمرة: في بعض الحالات، يتحول الجاني إلى مؤسسة أخرى أو دولة أخرى لمواصلة الانتهاكات، وهذا خطر يستوجب تدخلات عليا.
التأهيل المجتمعي: نشر ثقافة أن التحرش ليس “سلوك شاذ نادر” بل جريمة منتشرة تحتاج وعيًا عامًا لمواجهتها.
خاتمة
التحرش بالأطفال داخل المؤسسات التعليمية خيانة ثلاثية: خيانة للثقة، للمهنة، وللمجتمع. الجريمة لا تتوقف عند الفعل، بل تستمر إذا سكتنا، إذا خفنا، وإذا تواطأنا.
لا توجد مدرسة آمنة ما لم يكن فيها ضوء، وكلمة، ومساءلة.
Author Profile

Latest entries
أخبار مصر30 أبريل، 2025التضامن الاجتماعي: وزيرة التضامن مايا مرسي تُعلن فتح فروع بنك ناصر غدًا لصرف معاشات مايو 2025
أخبار مصر30 أبريل، 2025وزارة التربية والتعليم تُعلن إقالة مديرة مدرسة الكرمة للغات بدمنهور كفر الشيخ
أخبار مصر30 أبريل، 2025 حين تتحول المدارس إلى ساحة خوف: التحرش بالأطفال جرس إنذار للمجتمع
أخبار مصر30 أبريل، 2025مقتل أخطر العناصر الإجرامية في أسيوط خلال اشتباك مسلح مع الشرطة