
كتب: حسن أيمن
هل يجب أن يكون المبنى مأوى فقط؟ أم يجب أن يكون كائنًا حيًا يتنفس ويتفاعل ويخدم محيطه كما يخدم من يسكنه؟
في عصر تغيّرت فيه ملامح المناخ، وارتفعت فيه درجات التلوث والانبعاثات، لم تعد العمارة البيئية ترفًا أكاديميًا أو تصميمًا للنخبة، بل صارت ضرورة حضارية تمسّ حياة كل فرد على هذا الكوكب.
ما هي العمارة البيئية؟
العمارة البيئية (أو العمارة الخضراء) هي نهج تصميمي يسعى إلى تحقيق التوازن بين المبنى والبيئة، بحيث يستهلك أقل قدر ممكن من الطاقة والموارد، ويُنتج أقل كمية من التلوث، ويُدمج مع محيطه الطبيعي دون أن يُفسده.
تشمل المبادئ الأساسية لها:
الاستخدام الأمثل للطاقة عبر العزل، والإضاءة الطبيعية، والطاقة المتجددة.
الاعتماد على مواد بناء صديقة للبيئة قابلة لإعادة التدوير أو منخفضة التأثير الكربوني.
إدارة المياه باستخدام نظم حصاد مياه الأمطار، وإعادة استخدام المياه الرمادية.
الاندماج البصري والبيئي مع الموقع الجغرافي.
نماذج حقيقية من العالم
مشروع “إيدن” في بريطانيا: قباب زجاجية ضخمة تُحاكي أنظمة بيئية متعددة، تعتمد بالكامل على الطاقة الشمسية ومياه الأمطار.
مبنى بلدية باريس الجديد: يعتمد نظام تهوية طبيعي دون مكيفات مركزية، ويقلل استهلاك الطاقة بنسبة 45%.
مشروع “مركز الملك عبد الله للدراسات البترولية” في السعودية (KAPSARC): صممه المعمارية زها حديد، ويُعد من أكثر المشروعات استدامة في المنطقة، حائز على شهادة LEED البلاتينية.
أين نحن من ذلك؟
في العالم العربي، ما زالت العمارة البيئية تُطرح غالبًا في الأوساط الأكاديمية أو كمبادرات محدودة. لكن هناك استثناءات ملهمة، مثل:
مشروع “قرية باريس” البيئية في المغرب.
أعمال حسن فتحي في مصر، الذي سبق عصره حين صمّم قرية “الكرنك” و”القرنة الجديدة” بمبادئ بيئية محلية (القباب، المواد الطينية، التهوية الطبيعية).
هل يمكن أن نتعلم من هذا التراث ونُطوّره بدل أن نهمله؟
تحديات تطبيق العمارة البيئية
التكلفة الأولية العالية نسبيًا، رغم أن التشغيل لاحقًا أوفر بكثير.
ضعف التشريعات المحلية التي تفرض المعايير البيئية.
قلة الوعي المجتمعي بأهمية التصميم المستدام.
ندرة المواد الصديقة للبيئة في السوق المحلي.
لكن هل هذه الأسباب تبرر أن نبني اليوم كأن الأرض لا مستقبل لها؟
كيف نُقرّب العمارة البيئية من الناس؟
على مستوى الأفراد:
اختيار منازل ذات تهوية جيدة وإضاءة طبيعية.
زراعة المساحات الصغيرة واستخدام الأثاث المعاد تدويره.على مستوى المعماريين:
تبني معايير LEED أو EDGE في التصميم.
دراسة الطقس المحلي قبل التصميم، لا بعد البناء.
دمج تقنيات مثل الخلايا الشمسية، والأنظمة الذكية.على مستوى الدولة:
فرض حوافز ضريبية للمباني المستدامة.
إدماج التعليم البيئي في كليات الهندسة والعمارة.
تشجيع البحث المعماري التطبيقي في مجال الطاقة والمناخ.
خاتمة
العمارة البيئية ليست شكلًا جميلًا ولا “ستايل” تصميمي، بل رؤية عميقة ترى المبنى كامتداد للطبيعة، لا نقيضًا لها.
هي وسيلة لنعيد ربط الإنسان بمحيطه، ونُصلح العلاقة التي أفسدتها قرون من البناء دون وعي.
السؤال الحقيقي ليس: “هل نستطيع تطبيقها؟” بل: “هل نملك رفاهية تجاهلها”
Author Profile

Latest entries
أخبار مصر30 أبريل، 2025التضامن الاجتماعي: وزيرة التضامن مايا مرسي تُعلن فتح فروع بنك ناصر غدًا لصرف معاشات مايو 2025
أخبار مصر30 أبريل، 2025وزارة التربية والتعليم تُعلن إقالة مديرة مدرسة الكرمة للغات بدمنهور كفر الشيخ
أخبار مصر30 أبريل، 2025 حين تتحول المدارس إلى ساحة خوف: التحرش بالأطفال جرس إنذار للمجتمع
أخبار مصر30 أبريل، 2025مقتل أخطر العناصر الإجرامية في أسيوط خلال اشتباك مسلح مع الشرطة