فى يوم ٧ أكتوبر الماضى، ورغم استمرار الغارات على قطاع غزة وقرب الغزو البرى، إلا أن القيادة داخل الغرف المغلقة فى إسرائيل لم تعد مشغولة فقط بمحاولة الانتصار فى المعركة أو استرداد الأسرى أو حتى معالجة «الفضيحة» التى سببها الهجوم المفاجئ، برًا وبحرًا وجوًا من قبل حركة «حماس» الفلسطينية، بل بالبحث عن كيفية إيجاد «حل نهائى» لمعضلة قطاع غزة.
وتحاول القيادة الإسرائيلية، على جميع المستويات السياسية والأمنية والعسكرية، أن تجد إجابة مقبولة على سؤال أساسى، ليست له إجابة واضحة حتى الآن، وهو: هل يجب أن تقوم إسرائيل بإسقاط حكم «حماس» نهائيًا فى القطاع والمخاطرة بمواجهة المجهول فى مرحلة ما بعد «حماس» أم أنها يجب أن تكتفى بتوجيه ضربات شديدة لحركة المقاومة الفلسطينية، الأمر الذى قد لا يعيد لإسرائيل هيبتها أو ينجح فى إخافة من قد يتجرأون عليها مستقبلًا بعد نجاح الهجوم الفلسطينى الأخير؟
فقدان الهيبة يحتم إسقاط «حماس» ومخاوف من «بديل داعشى»
لسنوات، اتبعت الحكومات الإسرائيلية المختلفة، بقيادة بنيامين نتنياهو، نهجًا أدى إلى تقسيم السلطة بين قطاع غزة والضفة الغربية، مع تعزيز الانقسام الفلسطينى، ما أسهم فى تهميش قدرات السلطة الفلسطينية، بقيادة الرئيس محمود عباس، وتعزيز قدرات حركة «حماس»، بهدف منع السلطة الفلسطينية من اتخاذ خطوات متقدمة نحو إقامة دولة فلسطينية.
وأسهمت خطوات نتنياهو تجاه «حماس» فى تعزيز قدرات الحركة فى قطاع غزة بشكل أساسى، وربما فى الضفة ورام الله نفسها، خاصة بعدما أجرت معها إسرائيل مفاوضات غير مباشرة، وسمحت بضخ مبالغ نقدية للحركة من الخارج، مع زيادة عدد تصاريح العمل التى تمنحها للعمال فى غزة، ما أدى إلى تدفق الأموال إلى القطاع.
وفى الإطار نفسه، سمحت إسرائيل، أيضًا، لحقائب تحتوى على ملايين الدولارات من الأموال القطرية بدخول غزة عبر معابرها منذ عام ٢٠١٨، وبالنسبة لنتنياهو كانت هذه الخطوات «أداة قوية للمساعدة فى الحفاظ على الهدوء».
ولكن، الخسائر والأضرار التى تكبدتها إسرائيل منذ اليوم الأول لعملية «طوفان الأقصى» يبدو أنها ستستمر لفترة طويلة، مع حقيقة أن إسرائيل فقدت جزءًا كبيرًا من هيبتها، ما يشكل ضغطًا داخليًا كبيرًا على حكومة نتنياهو لاتخاذ قرار مصيرى مع غزة، لاستعادة الردع الاستراتيجى، وتحقيق الانتقام.
ويرى المحلل العسكرى الإسرائيلى رون بن يشاى، فى مقاله بصحيفة «يديعوت أحرونوت»، أن إسرائيل إذا لم تستعد ردعها الاستراتيجى، وأصبحت حركتا «حماس» و«الجهاد الإسلامى» هما أصحاب اليد العليا عسكريًا وفى حروب الوعى، فإن «حزب الله» اللبنانى والميليشيات الشيعية فى سوريا والعراق وغيرهما ستفكر عاجلًا أم آجلًا فى تقليد الحركات الفلسطينية، أو حتى الانضمام إلى الهجوم بشكل منسق، أو بفوارق زمنية ليست كبيرة.
وأشار إلى أن الاستنتاج الواضح الآن هو أنه من أجل استعادة الردع يجب على إسرائيل إسقاط حكم «حماس» فى القطاع، وهو ما يجب أن يتم بشكل حاسم وبأسرع ما يمكن، حتى لو اضطر الجيش الإسرائيلى إلى تغيير قواعد الاشتباك لهذا الغرض.
وأوضح أنه فى الماضى تجنبت إسرائيل إسقاط «حماس» لعدة أسباب، من بينها أنها لا تريد التورط فى احتلال قطاع غزة مجددًا، كما أن هناك افتراضًا إسرائيليًا بأنه إذا سقطت حكومة «حماس» فإن من سيحل محلها قد يكون أسوأ منها، وربما يكون تنظيم «داعش»، خاصة بعدما عملت إسرائيل لسنوات على إفقاد السلطة الفلسطينية القوة اللازمة للسيطرة على القطاع.
الأسرى والمدنيون وكابوس تعدد الجبهات 3 أسباب تقيد «الانتقام» رغم الدعم الدولى اللا محدود
لتحقيق الردع، هناك عدة قيود تتحكم فى سير العمليات الإسرائيلية المرتقبة على القطاع، لكنها ليست ذات الاعتبارات التى اعتادت إسرائيل على التعامل معها.
ففى الماضى، كانت صور هدم المنازل فى القطاع وقتل الفلسطينيين تقيد إسرائيل وتجعلها عرضة للانتقاد الدولى، ولكن فى هذه المرة فإن حقيقة بدء «حماس» بالهجوم، وخطف إسرائيليين مع نشر فيديوهات لهم، جعلت إسرائيل أمام العالم فى موقف المدافع عن نفسه، وهو ما نتج عنه تأييد كبير من المجتمع الدولى للعمليات العسكرية الإسرائيلية، خاصة فى الغرب، وإلى جانب ذلك، فإن الرغبة فى الانتقام تحرك الحكومة الإسرائيلية وتجبرها على خوض حرب بدون مراعاة للقانون الدولى.
أما فى هذه المرة، فهناك اعتبارات إضافية تأخذها إسرائيل فى الاعتبار، منها على سبيل المثال كيفية الدخول البرى لغزة بقوات كبيرة ولفترة طويلة، ربما تستمر لأشهر.
وتحاول إسرائيل، حاليًا، البحث عن كيفية القيام بذلك بطريقة أكثر كفاءة وشمولًا، مع الدخول بسرعة إلى المرحلة الرئيسية من العمليات العسكرية البرية دون الإضرار بجودة العملية.
إضافة إلى ذلك، فلا يزال لدى «حماس» و«الجهاد» آلاف الصواريخ التى يمكن إطلاقها باتجاه الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وربما يستمر الأمر لعدة أسابيع، ولمواجهتها سيتعين على القوات الجوية الإسرائيلية التعامل حتى تصل القوات البرية إلى الحفر التى يتم الإطلاق منها، كما أنه، وحتى بعد الاجتياح البرى للقطاع، سيظل هناك كثير من العمل لتحديد مواقع الأسلحة ومخزونات الصواريخ، وملاحقة كبار مسئولى «حماس» والقيادات الميدانية للحركة، وهو ما سيستغرق وقتًا طويلًا ستزداد فيه الضغوط الدولية للمطالبة بوقف العملية.
وإلى جانب ذلك، يأخذ المستوى السياسى الإسرائيلى فى اعتباره، عند اتخاذ قرار بشأن طبيعة القتال فى غزة ونطاقه، مشكلة وجود عشرات الأسرى، الذين تمكنت عناصر «حماس» من نقلهم إلى قطاع غزة، وتعرف تل أبيب أن «حماس» ستستخدم هؤلاء كورقة مساومة من أجل إطلاق سراح السجناء الأمنيين الفلسطينيين المسجونين فى إسرائيل.
وقد أعلن صالح العارورى، أحد كبار مسئولى «حماس»، والمقيم فى لبنان، عن أن حركته تطالب إسرائيل بإطلاق سراح جميع الأسرى الأمنيين الفلسطينيين مقابل إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين.
وتخشى إسرائيل أيضًا أن «حماس» ستستخدم هؤلاء الأسرى كدروع بشرية لتهديدها، وهو ما حدث بالفعل عندما أعلن المتحدث الرسمى باسم كتائب القسام «أبوعبيدة» عن أنه إذا استمرت إسرائيل فى مهاجمة بيوت المدنيين دون إنذار فستقوم الحركة بإعدام رهين أو رهينة على الهواء مباشرة، مقابل كل بيت يتم هدمه، قبل أن يتم التراجع عن ذلك دون إعلان.
ورغم كل ذلك، فيمكن للأمور أن تكون أسوأ، ففى حال استمرار الحرب لفترة أطول من الممكن أن يمنح هذا لتنظيم «حزب الله» اللبنانى الذريعة لشن حملة عسكرية ضد إسرائيل أثناء عملياتها فى غزة، مع حقيقة أن التهديد الصاروخى وتهديد قوة «الرضوان»، التابعة لـ«حزب الله»، باختراق الجبهة الداخلية الإسرائيلية أكثر خطورة بكثير من التهديد الذى تشكله «حماس» و«الجهاد» فى غزة.
وفى وضع مثل هذا، من المتوقع أيضًا أن تنضم عناصر أخرى تتبع «حزب الله» إلى القتال، ربما من سوريا.
ويطلق جناح الاستخبارات فى الجيش الإسرائيلى على هذا السيناريو اسم «حرب متعددة الساحات»، والتى بموجبها، وفى أسوأ الحالات، سيتعين على الجيش الإسرائيلى وقوات الأمن الأخرى القتال فى خمس ساحات فى نفس الوقت، وهى غزة ولبنان وسوريا والضفة الغربية والبلدات العربية فى إسرائيل.
ويرى المراقبون فى إسرائيل أن فقدان الردع سيؤدى إلى حدوث هذا السيناريو، وأن الحل الوحيد لمنعه حاليًا هو ضرب غزة بقوة، وتدمير البنية التحتية والعسكرية لـ«حماس»، رغم أن قرار إسقاطها نهائيًا لم يُتخذ بعد حتى لحظة كتابة هذه السطور.
كما ترى إسرائيل أن لديها فرصة قصيرة الأمد لو قررت الإطاحة بحكم «حماس»، استنادًا إلى الدعم الدولى الحالى، لكن هذا الوضع قد يتغير بسرعة مع صور الضحايا من المدنيين فى غزة والدمار الذى تسببه هجماتها، وهو ما يعنى أن تل أبيب لديها أيام قليلة لحسم المعركة.
والملخص أن الوضع الآن شديد التوتر وغير حاسم، فعلى إسرائيل أن تحقق أولويات صعبة، على رأسها ضرورة استعادة الردع الاستراتيجى من خلال إضعاف حكم «حماس» فى قطاع غزة، وسط مخاوف من المساس بالأسرى والرهائن والرغبة فى تجنب التصعيد إلى حرب متعددة الساحات.
موقع الكترونى اخبارى اجتماعى تنموى يهتم بكل ماهو جديد على الساحة المحلية والإقليمية والعالميهمن اخبار وفن ورياضة واقتصاد واحداث جارية ويهتم بالصحة والتعليم والتنمية المحليةhttps://www.youtube.com/@esharekhabar