
كتبت / رنيم علاء نور الدين
في مساء خريفي من شهر أكتوبر، ساد هدوء غريب في أحد شوارع حي بهتيم بشبرا الخيمة، قبل أن يقطعه صراخ مرعب اخترق جدران البيوت. تجمّع الجيران على صوت صراخ أم مذعورة، ليُفاجأوا بجثة “هبة”، فتاة في الثانية والعشرين من عمرها، ملقاة على أرض غرفة النوم، غارقة في دمائها، ثلاث طعنات نافذة اخترقت صدرها ورقبتها.
القاتل لم يهرب، بل جلس بجوار الجثة، والسكين لا تزال في يده، كأنه لم يستوعب بعد ما فعل. حين وصلت الشرطة، لم يُبدِ مقاومة، وقال وهو يحدّق في الأرض: “كنت بحاول أحمي شرف العيلة”.
هبة كانت خريجة كلية تجارة، وتعمل في محل لبيع الملابس النسائية في شارع تجاري قريب. كانت حياتها بسيطة، تقضي معظم وقتها في العمل أو مع والدتها في البيت. منذ فترة، بدأ شقيقها “أحمد”، 28 سنة، يلاحظ تغيّرات في تصرفاتها. صارت تتأخر في العودة للمنزل، تضحك كثيرًا في الهاتف، وتخرج بشكل متكرر. ذات مرة، لمحها تتحدث مع شاب خارج المحل. لم يواجهها بشيء، لكنه بدأ يراقبها بصمت، وتتكوّن في ذهنه شكوك متصاعدة لم يجد لها دليلًا واضحًا.
في يوم الجريمة، عادت هبة متأخرة، وكانت تبدو مرهقة. دخلت المطبخ لتحضير الطعام، فلحق بها شقيقها. لم تكن هذه أول مرة يتشاجران فيها، لكن هذه المرة كان أحمد غاضبًا على نحو غير مسبوق. اتهمها بأنها “بتتكلم مع واحد”، فردّت بانفعال ونفت ذلك بشدة. دفعها بعنف فوقعت أرضًا. فجأة، دخل المطبخ وأمسك بالسكين، ثم طعنها بسرعة ثلاث مرات، إحداها اخترقت القلب وأودت بحياتها في الحال.
الجيران سمعوا صراخ الأم وهرعوا إلى الشقة. كانت الأم في حالة انهيار عصبي، تصرخ بجملة واحدة: “قتلها! قتلها!”. بعض الجيران قالوا إن هبة كانت معروفة بأدبها واحترامها. إحدى الجارات، “أم هاني”، قالت: “البنت كانت مؤدبة، عمرها ما اتكلمت مع حد في الشارع، وأخوها كان دايمًا ساكت ومش واضح هو بيفكر في إيه”. بينما قال شاب آخر من نفس الحارة: “الكل كان بيحترمها، وهو اللي كان دايمًا شارد، ووشه مكشر”.
التحقيقات كشفت أن أحمد لم يبلغ عن أي شكوك من قبل، ولم يُظهر سلوكًا يدل على وجود خطر. الأسرة لم تكن تعرف بما يدور في رأسه. تقرير الطب الشرعي أكد أن الطعنات تمت بسكين مطبخ حاد، واحدة منها قاتلة بشكل مباشر. النيابة وجهت له تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار، وقررت حبسه على ذمة التحقيقات.
ورغم إصرار المتهم على أنه فعل ما فعله لحماية “شرف العائلة”، إلا أن التحقيقات لم تجد أي دليل يثبت وجود علاقة مشبوهة للضحية، ما جعل القضية أكثر تعقيدًا من مجرد “جريمة شرف”، وربما تتحول إلى حالة نفسية مأساوية انتهت بجريمة قتل بلا مبرر حقيقي.
في إحدى ليالي ديسمبر الباردة، في شارع جانبي هادئ بمنطقة المطرية، سُمعت أصوات تكسير عنيف داخل شقة في الطابق الرابع، ثم صرخة امرأة اختنقت فجأة، تلتها لحظات من الصمت الثقيل. الجيران، وقد ظنّوا أنه شجار عائلي، لم يتدخلوا. لكن في الصباح، كان الخبر قد انتشر في العمارة: “أستاذ فؤاد قتل مراته”.
فؤاد، موظف في هيئة البريد، خمسيني هادئ الطبع، معروف لدى الجيران بأنه رجل بيت، لا يخرج كثيرًا ولا يحتك بأحد. زوجته، نادية، كانت تعمل ممرضة، تُحب الزيارات العائلية والسهر أمام التلفزيون. طوال 25 سنة من الزواج، لم يُسمع عنهما سوى كل خير، إلى أن جاء اليوم الذي تحوّل فيه فؤاد إلى قاتل.
بعد توقيفه، لم ينكر الجريمة. جلس بهدوء أمام وكيل النيابة، وقال جملته التي ظلّت تتكرر في التحقيقات: “أنا اتخدعت 25 سنة”.
القصة بدأت قبل ثلاثة أشهر من الجريمة. فؤاد، الذي كان يعاني من تعب في القلب، اضطر للجلوس في البيت لفترات طويلة. بدأ يلاحظ أمورًا غريبة، مكالمات متأخرة، رسائل تُمسَح بسرعة من هاتف زوجته، خروج غير مبرر في أوقات غير معتادة.
حاول أن يواجهها بلطف. قالت إنها مجرد صديقة تتحدث معها، وإن الأمر لا يستحق هذا القلق. لكنه لم يقتنع. في إحدى الليالي، تسلل إلى هاتفها وهي نائمة، ووجد رسالة قصيرة من رقم غير مسجل: “وحشتيني… إمتى هنشوف بعض؟”.
منذ تلك الليلة، تغير كل شيء في داخله. لم يواجهها. لم يصرخ. بل بدأ يكتب كل شيء في دفتر صغير، يتابع تحركاتها، يرسم خطوطًا، يحتفظ بتسجيلات صوتية لبعض مكالماتها، رغم أنها كانت تُحذفها بعد كل مكالمة.
في الليلة الأخيرة، عاد مبكرًا إلى البيت دون أن يخبرها. وجدها على الهاتف، تضحك بصوت منخفض وهي في غرفة النوم. دخل بهدوء، وسمعها تقول: “البيت فاضي النهارده”. حين رأته، انقطع الصوت من وجهها، وسقط الهاتف من يدها.
لم يتحدث. أمسك بمكواة كانت على الطاولة، وضربها بها على رأسها. سقطت، لكنه لم يتوقف. ظل يضرب حتى توقف جسدها عن الحركة، ثم خرج من الغرفة، دخل المطبخ، شرب كوب ماء، واتصل بالشرطة: “مراتي ماتت… أنا قتلتها”.
التحقيقات كشفت أن فؤاد لم يكن يعاني من أي أمراض نفسية سابقة، لكنه كان منطويًا وكتومًا، يعيش في عالمه الخاص. بعض الجيران قالوا إنه كان مريض شك، بينما آخرون أكدوا أن نادية كانت سيدة محترمة ولا يمكن أن تخونه.
الطب الشرعي أكد أن الوفاة جاءت نتيجة تهشم في الجمجمة بسبب ضربات متتالية بجسم صلب. النيابة وجهت له تهمة القتل العمد، وطلبت تقريرًا من الطب النفسي لتقييم حالته وقت ارتكاب الجريمة.
حتى هذه اللحظة، لا توجد أي أدلة مادية على الخيانة التي تحدث عنها. الرسائل اختفت، والهاتف تم كسره أثناء الحادثة، ما يجعل القضية معلّقة بين شك داخلي تراكم لسنوات، وانفجار عنيف قضى على حياة امرأة وعلى استقرار بيتٍ دام ربع قرن.
Author Profile

-
إشعار خبر: منصة إخبارية سريعة تقدم أحدث الأخبار المحلية والعالمية، مع تغطية شاملة في مجالات الرياضة، الاقتصاد، الفن، والصحة، لتبقيك دائماً على اطلاع.
Latest entries
أخبار مصر12 مايو، 2025إحالة أوراق قاتل ابنة خالته للمفتي بعد جريمة قتل مروعة في الدقهلية
أخبار مصر12 مايو، 2025حبس تيك توكر “أم رودينا” 4 أيام بتهمة نشر محتوى خادش للحياء واستغلال مواقع التواصل للتربح
أخبار مصر12 مايو، 2025ضبط رئيس شركة بتهمة غسل أموال بقيمة 150 مليون جنيه حصيلة النصب على المواطنين
أخبار مصر12 مايو، 2025الدولار ينخفض مقابل الجنية المصرى بالبنوك المصرية اليوم الاثنين 12 مايو 2025
إشعار خبر: منصة إخبارية سريعة تقدم أحدث الأخبار المحلية والعالمية، مع تغطية شاملة في مجالات الرياضة، الاقتصاد، الفن، والصحة، لتبقيك دائماً على اطلاع.